يعز التفاؤل في هذه اللحظة الدولية العصيبة، من الحروب الممتدة من العراق وأفغانستان، وصولاً إلى حقول الموت في إقليم دارفور السوداني. لذلك فما أن تحين بادرة للسلام، حتى يتعين علينا التشبث بها وعدم التفريط فيها. لذا فإن علينا أن نولي كل اهتمامنا للنزاع الدائر الآن في شمالي أوغندا، باعتباره واحداً من أبشع المآسي الدولية. ولعله أسوأ كارثة إنسانية، لا تزال تتواصل، دون أن ينتبه إليها أحد تقريباً. وقد أسفر عقدان من النزاع المسلح في شمالي أوغندا، عن عواقب جد وخيمة ومدمرة، منها إرغام نحو مليوني مواطن على الفرار من ديارهم، إلى معسكرات بائسة قذرة ومكتظة باللاجئين، بينما لقي الآلاف حتفهم جراء النزاع، وفي أثنائه تم اختطاف ما لا يقل عن 30 ألف طفل من بيوتهم ومن ذويهم، وإرغام بعضهم على أداء الخدمة العسكرية في صفوف ما يسمى بـ"جيش الرب"، بينما يستغل الآخرون كرقيق للجنس. وعلى الرغم مما في الشهادة والوقوف المباشر على المأساة الأوغندية من ألم وعذاب، إلا أن في مقابلة أهلها ما يثير الأمل والتفاؤل. وأثناء رحلة قريبة لي إلى هناك، كنت قد زرت معسكر "بلابيك-كال" للاجئين، حيث رأيت آلافاً منهم يتزاحمون في قرية مؤقتة أقيمت لإيوائهم. وباستماعي لقصص المعاناة والصراع والبقاء التي حكوها لي، فقد تبينت لي حقيقتان لا لبس فيهما ولا غموض. أولاهما أنهم يتضرعون من أجل السلام كل يوم، في آناء الليل وأطراف النهار. أما ثانيتهما فتعلقهما بالمجتمع الدولي، الذي يتوقعون منه فعل كل شيء من أجل مساعدتهم على تحقيق حلمهم هذا. لذلك فقد كان ظمؤهم حارقاً وصادقاً للسلام، وإيمانهم عميقاً بإمكانية بناء مستقبل أفضل، وسط جحيم هذا الخراب والمعاناة. أما في المناطق التي بدأت تتحسن فيها الأوضاع الأمنية، وشرع فيها الناس في العودة إلى بيوتهم، فقد لاحت التحديات والمصاعب للتو. ولعل أول هذه التحديات وفي مقدمتها، توفير مياه الشرب النظيفة، وكذلك تأمين البيئة الصحية. وبالقدر ذاته من الأهمية، تبرز تحديات إعادة بناء وتأهيل المدارس والعيادات الصحية، وغيرها من مرافق ومنشآت البنية التحتية الأساسية. غير أن السلام يسبق بالطبع شعور الناس بالأمن والبدء بالعودة إلى قراهم وبيوتهم. ومن المؤكد أن المحادثات بين الحكومة الأوغندية و"جيش الرب"، تتيح فرصة تاريخية غير مسبوقة، للتوصل إلى تسوية دائمة لذلك النزاع الدموي المستمر بين الجانبين. وكان الطرفان قد وقعا على اتفاق لوقف إطلاق النار بينهما في شهر أغسطس المنصرم. بيد أنه اتفاق في غاية الهشاشة، كما قيل لي بكل وضوح أثناء زيارتي هذه. ومع استمرار هذه المحادثات التي يرعاها الاتحاد الأفريقي، فإنه يتعين على الولايات المتحدة الأميركية والمجتمع الدولي، دعمها وليس الوقوف في صفوف الفرجة، والتفاؤل بأفضل ما يمكن أن تتوصل إليه. في مقدمة هذا الدعم، ينبغي على أميركا والأمم المتحدة، أن تقدما أولاً كل ما من شأنه مساعدة الوسطاء الخارجيين، بقيادة الحكومة الإقليمية لجنوب السودان، لاسيما مراقبة وقف إطلاق النار بين الجانبين. ثانياً يتعين على الولايات المتحدة دعم محادثات السلام الجارية، إلى جانب تشجيع طرفيها على مواصلة التزامهما بمسار عملية السلام هذه. وإنه لمفهوم بالطبع تحفظ الحكومة الأوغندية وشكوكها إزاء النوايا الفعلية لـ"جيش الرب"، بالنظر إلى هول الفظائع التي ارتكبها. غير أن كل ذلك لا يقلل من أهمية هذه المحادثات، باعتبارها أول تقارب من نوعه بين الطرفين، طوال تاريخ النزاع الدموي. ثالثاً وأخيراً: من واجب الجهات المانحة، الولايات المتحدة وبلدان الاتحاد الأوروبي، والأمم المتحدة، تنسيق جهودها والالتزام بتوفير الدعم المالي اللازم لمساعدة الأهالي على إعادة بناء بيوتهم وقراهم. وفي هذا ما يشكل حافزاً لطرفي النزاع، فضلاً عن أهميته في وضع لبنات التصالح وإعادة البناء طويل الأمد، ليس في شمالي أوغندا وحده، وإنما على امتداد البلاد كلها. جون إدواردز ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ سيناتور "ديمقراطي" من ولاية كاليفورنيا، ومرشح سابق لنائب الرئيس في انتخابات عام 2004 ينشر بترتيب خاص مع خدمة "لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست"